فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)}
منَعَهم الفقرُ عن الحَرَاك فالتمسوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحملهم معه ويهيئ أسبابهم، ولم يكن في الحال للرسول عليه السلام سَعَةٌ ليوافقَ سُؤْلَهم، وفي حالة ضيق صدره صلى الله عليه وسلم حَلَفَ إنه لا يَحْمِلُهم، ثم رآهم صلى الله عليه وسلم يتأهبون للخروج، وقالوا في ذلك، فقال عليه السلام: «إنما يحملكم الله».
فلمَّا رَدَّهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإجابة في أن يحملهم رجعوا عنه بوصف الخيبة كما قال تعالى: {تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} كما قال قائلهم:
قال لي مَنْ أُحِبُّ والبيْن قد ** حَلَّ ودمعي مرافِقٌ لشهيقي

ما تُرى في الطريق تصنع بعدي ** قلتُ: أبكي عليك طول الطريق

قوله: {حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} شقَّ عليهم أنْ يكونَ على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بسببهم شُغْلٌ فَتَمَنَّوْا أن لو أُزِيجَ هذا الشغلُ، لا ميلًا إلى الدنيا ولكن لئلا تعودَ إِلى قلبه عليه السلام مِنْ قِبَلِهم كراهةً، ولهذا قيل:
مَنْ عَفَّ خَفَّ على الصديقِ لِقاؤه ** وأخو الحوائجِ مُمْجِجُ مَمْلولُ

ثم إنَّ الحقَّ سبحانه لمَّا عَلِمَ ذلك منهم، وتمحضت قلوبُهم للتعلُّق بالله، وخَلَتْ عقائدُهم عن مُساكنةِ مخلوقِ تَدَارَكَ اللهُ أحوالَهم؛ فأمر اللهُ رسوله عليه السلام أَنْ يَحْمِلَهم.. بذلك جَرَتْ سُنَّتُه، فقال: {وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28]. اهـ.

.تفسير الآية رقم (93):

قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نفى السبيل عمن وصفه كر على ذم من انتفى عنه هذا الوصف فقال تعالى: {إنما السبيل} أي باللوم وغيره {على الذين يستأذنونك} أي يطلبون إذنك في التخلف عنك راغبين فيه {وهم أغنياء} أي فلا عذر لهم في التخلف عنك وعدم مواساتك، وتضمن قوله تعالى مستأنفًا: {رضوا بأن يكونوا} أي كونًا كأنه جبلة لهم {مع الخوالف} انتفاء الضعف والمرض عنهم من حيث إنه علل فعلهم برضاهم بالتخلف فأفهم ذلك أنه لا علة لهم سواه، وأفهم أيضًا أن كل من كان كذلك كان مثلهم ولو أنه ضعيف أو مريض، وكرر ذكر الخوالف تكريرًا لعيبهم برضاهم بالكون في عداد النساء إذ كان ذلك من أعظم المعايب عند العرب، وسمى الفاعل للطبع حيث حذفه من الأولى: ولما ذكره، عظم الأمر فاقتضى ذلك عظم الطبع فنفى مطلق العلم فقال عاطفًا على {رضوا}: {وطبع الله} أي له القدرة الكاملة والعلم المحيط {على قلوبهم} ثم سبب عن ذلك الرضى والطبع قوله: {فهم لا يعلمون} أي لا علم له فلذلك جهلوا ما في الجهاد من منافع الدارين لهم فلذلك رضوا بما لا يرضى به عاقل، وهو أبلغ من نفي الفقه في الأولى، وزاد المناسبة حسنًا ضم الأعراب في هذه الآيات إلى أهل الحاضرة وهم بعيدون من الفقه جديرون بعدم العلم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ}
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
أنه تعالى لما قال في الآية الأولى: {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} قال في هذه الآية إنما السبيل على من كان كذا وكذا، ثم الذين قالوا في الآية الأولى المراد {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} في أمر الغزو والجهاد، وأن نفي السبيل في تلك الآية مخصوص بهذا الحكم.
قالوا: السبيل الذي نفاه عن المحسنين، هو الذي أثبته في هؤلاء المنافقين، وهو الذي يختص بالجهاد، والمعنى: أن هؤلاء الأغنياء الذين يستأذنونك في التخلف سبيل الله عليهم لازم، وتكليفه عليهم بالذهاب إلى الغزو متوجه، ولا عذر لهم ألبتة في التخلف.
فإن قيل: قوله: {رَضُواْ} ما موقعه؟
قلنا: كأنه استئناف، كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء.
فقيل: رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف {وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} يعني أن السبب في نفرتهم عن الجهاد، هو أن الله طبع على قلوبهم، فلأجل ذلك الطبع لا يعلمون ما في الجهاد من منافع الدين والدنيا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ}
في السبيل هاهنا وجهان:
أحدهما: الإنكار.
الثاني: الإثم.
وقوله تعالى: {يَسْتَأْذِنُونَكَ} يعني في التخلف عن الجهاد.
{وَهُمْ أَغْنِيَاءُ} يعني بالمال والقدرة.
{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم الذراري من النساء والأطفال.
الثاني: أنهم المتخلفون بالنفاق. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ}
قوله في هذه الآية: {إنما} ليس بحصر وإنما هي للمبالغة فيما يريد تقريره عل نحو ذلك إنما الشجاع عنترة ويقضي بذلك انَّا نجد السبيل في الشرع على غير هذه الفرقة موجودًا، و{السبيل} قد توصل بـ {على} و{إلى} فتقول لا سبيل على فلان ولا سبيل إلى فلان غير أن وصولها بـ {على} يقتضي أحيانًا ضعف المتوصل إليه وقلة منعته، فلذلك حسنت في هذه الآية، وليس ذلك في إلى، ألا ترى أنك تقول فلان لا سبيل إلى الأمر ولا إلى طاعة الله ولا يحسن في شبه هذا على، و{السبيل} في هذه الآية سبيل المعاقبة، وهذه الآية نزلت في المنافقين المتقدم ذكرهم عبد الله بن أبيّ والجد بن قيس ومعتب وغيرهم، وقد تقدم نظير تفسير الآية. اهـ.

.قال الخازن:

{إنما السبيل}
لما قال الله سبحانه وتعالى: {ما على المحسنين من سبيل}.
قال تعالى في حق من يعتذر ولا عذر له: {إنما السبيل} يعني إنما يتوجه الطريق بالعقوبة {على الذين يستأذنوك} يا محمد في التخلف عنك والجهاد معك {وهم أغنياء} يعني قادرين على الخروج معك {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} يعني رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف وهم النساء والصبيان والقعود معهم {وطبع الله على قلوبهم} يعني ختم عليها {فهم لا يعلمون} ما في الجهاد من الخير في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فالفوز بالغنيمة والظفر بالعدو وأما في الآخرة فالثواب والنعيم الدائم الذي لا ينقطع. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء} أثبت في حق المنافقين ما نفاه في حق المحسنين، فدل لأجل المقابلة أنّ هؤلاء مسيئون، وأي إساءة أعظم من النفاق والتخلف عن الجهاد والرغبة بأنفسهم عن رسول الله، وليست إنما للحصر، إنما هي للمبالغة في التوكيد، والمعنى: إنما السبيل في اللائمة والعقوبة والإثم على الذين يستأذنونك في التخلف عن الجهاد وهم قادرون عليه لغناهم، وكان خبر السبيل على وإن كان قد فصل بإلى كما قالت:
هل من سبيل إلى خمر فاشربها ** أم من سبيل إلى نصر بن حجاج

لأنّ على تدل على الاستعلاء وقلة منعة من دخلت عليه، ففرق بين لا سبيل لي على زيد، ولا سبيل لي إلى زيد.
وهذه الآية في المنافقين المتقدم ذكرهم: عبد الله بن أبي، والجد بن قيس، ومعتب بن قشير، وغيرهم.
ورضوا: استئناف كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا في القعود بالمدينة وهم قادرون على الجهاد، فقيل: رضوا بالدناءة وانتظامهم في سلك الخوالف.
وعطف وطبع تنبيهًا على أنّ السبب في تخلفهم رضاهم بالدناءة، وطبع على قلوبهم فهم لا يعلمون ما يترتب على الجهاد من منافع الدين والدنيا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّمَا السبيل} بالمعاتبة {عَلَى الذين يَسْتَأْذِنُونَكَ} في التخلف {وَهُمْ أَغْنِيَاء} واجدون لأُهبة الغزوِ مع سلامتهم {رَضُواْ} استئنافٌ تعليليٌّ لما سبق كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء؟ فقيل: رضوا {بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف} الذين شأنُهم الضَّعة والدناءة {وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} أي خذلهم فغفَلوا عن وخامة العاقبة {فَهُمُ} بسبب ذلك {لاَّ يَعْلَمُونَ} أبدًا غائلةَ ما رضُوا به وما يستتبعه آجلًا كما لم يعلموا بخساسة شأنِه عاجلًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّمَا السَّبِيلُ} أي بالمعاتبة والمعاقبة {عَلَى الذين يَسْتَأْذِنُونَكَ} في التخلف {وَهُمْ أَغْنِيَاء} واجدون للأهبة قادرون على الخروج معك {رَضُواْ} استئناف بياني كأنه قيل: لم استأذنوا أو لم استحقوا ما استحقوا؟ فأجيب بأنهم رضوا {بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف} تقدم معناه {وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} خذلهم فغفلوا عن سوء العاقبة {فَهُمُ} بسبب ذلك {لاَّ يَعْلَمُونَ} أبدًا وخامة ما رضوا به وما يستتبعه عاجلًا كما لم يعلموا نجاسة شأنه آجلا. اهـ.

.قال القاسمي:

{إِنَّمَا السَّبِيلُ} أي: بالعتاب والعقاب {عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ} أي: قادرون على تحصيل الأهبة {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} أي: من النساء والصبيان وسائر أصناف العاجزين، أي: رضوا بالدناءة والضعة والإنتظام في جملة الخوالف.
قال المهايميّ: وهذا الرضا، كما هو سبب العتاب، فهو أيضًا سبب العقاب، لأنه لما كان عن قلة مبالاتهم بالله، غضب الله عليهم {وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي: ما يترتب عليه من الصائب الدينية والدنيوية، أو لا يعلمون أمر الله فلا يصدقون.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ}
لما نفت الآيتان السابقتان أن يكون سبيلٌ على المؤمنين الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون والذين لم يجدوا حمولة، حصرت هذه الآية السبيل في كونه على الذين يستأذنون في التخلف وهم أغنياء، وهو انتقال بالتخلص إلى العودة إلى أحوال المنافقين كما دل عليه قوله بعدُ {يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم} [التوبة: 94]، فالقصر إضافي بالنسبة للأصناف الذين نُفي أن يكون عليهم سبيل.
وفي هذا الحصر تأكيد للنفي السابق، أي لا سبيل عقاببٍ إلا على الذين يستأذنونك وهم أغنياء.
والمراد بهم المنافقون بالمدينة الذين يكرهون الجهاد إذ لا يؤمنون بما وعد الله عليه من الخيرات وهم أولو الطول المذكورون في قوله: {وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله} [التوبة: 86] الآية.
والسبيل: حقيقته الطريق.
ومرّ في قوله: {مَا على المحسنين من سبيل} [التوبة: 91].
وقوله: {إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء} مستعار لمعنى السلطان والمؤاخذة بالتبعة، شبه السلطان والمؤاخذة بالطريق لأن السلطة يَتوصل بها من هي له إلى تنفيذ المؤاخذة في الغير.